حقيقة التاريخ
ليس وعد رسول الله صلى الله عليه سلم بمدينتين فقط: القسطنطينية ورومية، فقد وعد كما ذكرنا بفتح الأرض جميعاً ، ووعد ربنا بنصر المؤمنين، ولقد رأينا ذلك كثيراً في صفحات تاريخنا، لا أقول أياماً أو شهوراً أو سنوات، بل رأيناه قروناً عديدة.
لقد كان المسلمون ينتصرون دائماً وهم أقل عدداً وعدة:
انتصر المسلمون علي عدوهم في بدر، مع فارق العدد والعدة، انظروا إلى وصفه سبحانه: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، فاتقوا الله لعلكم تشكرون"
انتصر المسلمون في موقعة اليمامة باثني عشر ألفاً من المجاهدين على أربعين ألفاً (على الأقل) من المرتدين..
فتح خالد بن الوليد رضي الله عنه العراق بثمانية عشر ألفاً من الرجال الأبطال ، فدك حصون الفرس في خمس عشرة موقعة متتالية دون هزيمة ، وكان أقل جيوش الفرس تبلغ ستين ألفاً ، ووصلت إلى مائة وعشرين ألفاً في موقعة الفراض.
انتصر المسلمون المجاهدون في موقعة القادسية باثنين وثلاثين ألفاً من الرجال الأفذاذ على مائتين وأربعين ألفاً من الفرس ، وكانت موقعة فاصلة كسرت فيها شوكة الفرس ، وقتل فيها معظم قادة الجيش الفارسي.
انتصر المسلمون المؤمنون في موقعة نهاوند بثلاثين ألفاً على مائة وخمسين ألفاً من الفرس..
انتصر المسلمون الصابرون في حصار تستر بثلاثين ألفاً على مائة وخمسين ألفاً من الفرس،وقد تكرر القتال أثناء ذلك الحصار ثمانين مرة ، وانتصر فيها المسلمون جميعاً دون هزيمة واحدة!!!..
انتصر المسلمون في اليرموك بتسعة وثلاثين ألفاً على مائتي ألفاً من الرومان..
انتصر المسلمون في معركة وادي برباط في فتح الأندلس باثني عشر ألف رجل على مائة ألف قوطي أسباني..
لقد رأينا ذلك وأمثاله مئات - بل آلاف - من المرات.. وما هذا الذي ذكرته إلا مقتطفات يسيرة من سفر الإسلام الضخم!!.. اقرءوا التاريخ يا إخواني.. فوالله الذي لا إله إلا هو ، لا يوجد تاريخ في الأرض مثل تاريخ المسلمين، ولا يوجد دين مثل دين المسلمين، ولا يوجد رجال مثل رجال المسلمين..
وحتى السقطات التي كانت في تاريخ المسلمين اتبعت بقيام أقوى وأشد، وتعالوا نقلب صفحات قلائل:
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدت الجزيرة العربية بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية: المدينة ومكة والطائف وقرية هجر بالبحرين، ولم تكن الردة - كما يعتقد البعض - بمنع الزكاة فقط، بل ارتد كثير عن الإسلام بالكلية، ومنهم من فتن المسلمين في دينهم، ومنهم من قتل المسلمين، بل إن منهم من ادعى النبوة، وليسوا بالقليلين، وعمّ الكفر جزيرة العرب، ويأس بعض الصحابة!! فكان الموقف أشد مما نحن فيه الآن ألف مرة، حتى قال بعضهم يا خليفة رسول الله لا طاقة لنا بحرب العرب جميعاً، الزم بيتك وأغلق عليك بابك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، وهكذا ظنوا أنه لا أمل في القيام، لكن الله عز وجل منّ على المسلمين بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قام كالأسد الهصور، يردد قولة لو قالها المسلمون لسادوا الدنيا جميعاً.. قال: "أينقص الدين وأنا حي؟" كلمة عظيمة جداً.. "أينقص الدين وأنا حي؟.. أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي" (حتى تقطع رقبتي).. وقام الصديق رضي الله عنه وقام معه المسلمون، فما هو إلا عام من الجهاد والقتال والنزال، حتى أشرقت الأرض من جديد بنور ربها، وأسلمت الجزيرة العربية بكاملها، بل وأخذ أبو بكر الصديق قراراً أحسب أنه أعجب قرار في التاريخ!! وهو إخراج جيشين من جزيرة العرب: جيش لفتح بلاد فارس، وجيش لفتح بلاد الروم…!! عجبا لك أيها الجبل!!.. دولة صغيرة خارجة من حرب أهلية مدمرة تواجه دولتين تقتسمان العالم فارس والروم!! لكنه موعود.." وكان حقا علينا نصر المؤمنين"، ويفتح الله عليه الدولتين، وتكون انتصارات بلا هزائم، وتمكين بلا ضعف، وأمن بلا خوف!!...
أسمعتم يا إخواني عن ملوك الطوائف في بلاد الأندلس؟ أرأيتم كيف قسمت بلاد الأندلس في عهدهم إلى أكثر من عشرين دويلة صغيرة متناحرة؟!، أرأيتم العمالة والخيانة والخزي والعار؟! أرأيتم السفه والمجون والخلاعة والانحلال؟ ثم أرأيتم ما شابه ذلك في بلاد المغرب والجزائر والسنغال وموريتانيا في قبائل البربر آنذاك؟ أرأيتم الزنا كيف فشا؟! والخمور كيف انتشرت؟ أرأيتم السلب والنهب كيف طغى على الأرض؟ ثم ماذا حدث؟ لقد تغير الوضع تماماً في سنوات معدودات فيما يشبه المعجزة!! كيف؟! لقد جاء رجل!! رجل واحد!! هو الشيخ عبد الله بن يس رحمه الله ، جاء يدعو إلى الله على بصيرة، جاء يربي ويعلم ويجاهد و يصابر، فإذا الرجل رجلين ، والرجلان أربعة، والأربعة ألف وألفين وعشرة آلاف، وإذا البلاد تفتح، والإسلام ينتشر، وإذا بدولة المرابطين تقوم، وإذا برجال وكأنهم ملائكة يوسف بن تاشفين وأبو بكر بن عمر رحمهما الله يعلمان ويربيان ويجاهدان ويصابران، فإذا بالدولة تتسع، والخير يعم، ويدخل في الإسلام ثلث أفريقيا!!.. ويصبح الجيش مائة ألف فارس في الشمال، وخمسمائة ألف جندي في الجنوب، وإذا بالجيوش تعبر إلى الأندلس، فتعيد البسمة إلى شفاه المسلمين، وتشفي صدور قوم مؤمنين، وتذهب غيظ قلوبهم، وتذل الشرك وأهله، وتعز الإسلام وحزبه، وينصرها الله في "موقعة الزلاقة" بثلاثين ألفاً من الأبطال يهلكون ستين ألفاً من القوط الأسبان!.. أرأيتم كيف تكون طاقة الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون رجال الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون شرع الإسلام؟
ولماذا نذهب بعيدا؟ هل آتاكم نبأ فلسطين؟! لماذا الجزع من احتلال دام خمسين سنة؟ ألم تسمعوا عن حملات الصليبين التسعة البشعة؟ ألم تعلموا أنهم مكثوا في أرض فلسطين محتلين مائتين من السنين؟ وفي بيت المقدس اثنين وتسعين سنة؟ ألم تقرءوا أنهم قتلوا في بيت المقدس سبعين ألفاً من المسلمين في يوم واحد؟! وكانوا يسيرون في دماء المسلمين إلى ركبهم؟
ثم ألم ترى كيف فعل ربك بالصليبين؟!.. دارت دورتهم في التاريخ ، وانتهت دولتهم البشعة القذرة، وقام رجال متوضئون متطهرون، قارئون لكتابهم، خاشعون في صلاتهم، حاملون لسيوفهم، معتمدون على ربهم، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، قام رجال أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله جميعاً... قاموا يحرصون على الموت فوهبت لهم الحياة، قاموا يتزينون للجنة فتزينت الجنة لهم، قاموا مع الله فكان الله معهم، صدقهم الله وعده، ونصر عباده، وأعز جنوده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا هو سبحانه، فكانت حطين، وكان ما بعد حطين، وكانت أيام تشرف التاريخ بتدوينها...وحق للتاريخ أن يتشرف بتسجيل أيام المسلمين..